الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويقال أسد أغلب أي غليظ العنق والقلب جمعه ثم استعير لكل غليظ، والبزل جمع بازل للمذكر والمؤنث من الإبل إذا انفطر نابه وذلك في السنة التاسعة، والكحيل القطران، والجلال جمع جلّ، يصف مفازة تمشي فيها أسود غلاظ الأعناق كأنها فتيات من الإبل دهنت بالقطران حتى صار عليها كالجلال، فكسين استعارة مصرّحة والجلال ترشيح ويروى كأنهم باستعارة ضمير العقلاء لغيرهم.وفي الأساس واللسان ما خلاصته: بينهما غلاب أي مغالبة وتغالبوا على البلد وغلبته على الشيء: أخذته منه وهو مغلوب عليه وأ يغلب أحدكم أن يصاحب الناس معروفا بمعنى أيعجز وهو رجل حر وقد أبى أفنغلبه على نفسه: أفنكرهه، وشاعر مغلّب: غلب كثيرا أو غلّب فهو ذم ومدح، قال امرؤ القيس: ومن المجاز: هضبة غلباء وعزة غلباء واغلولب العشب وحدائق غلبا.{أَبًّا} في المصباح: الأبّ: المرعى الذي لم يزرعه الناس مما تأكله الدواب والأنعام. ويبدو أنه مأخوذ من أبه إذا قصده لأنه يؤم وينتجع له أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيئ للرعي وعبارة الزمخشري: والأب المرعى لأنه يؤب أي يؤم وينتجع والأب والأم أخوان، قال: والجذم بالكسر وقد يفتح الأصل الذي يقتطع منه غيره والأب والأم بالفتح والتشديد بمعنى المرعى لأنه يؤبّ ويؤمّ أي يقصد والمكرع: المنهل. يقول: نحن من قبيلة قيس ونجد هي دارنا ولنا به أي في نجد المرعى والمروي وفيه تمدح بالشرف والشجاعة.وقيل إن الصحابة وهم أهل الحجاز وأصحاب اللغة التي نزل بها القرآن لم يفهموا بعض الغريب في آيات الكتاب، من ذلك ما أخرجه أبو عبيد في الفضائل عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى: {وفاكهة وأبا} فقال: أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني إن أنا قلت في كتاب اللّه ما لا أعلم. ونقل عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر {وفاكهة وأبا} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو الكلف يا عمر، وفي رواية ثم رفض عصا كانت بيده وقال: هذا لعمر اللّه التكلف وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأبّ ثم قال: اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه. وقد علّق الزمخشري على كلمة عمر تعليقا بديعا نورده فيما يلي:فإن قلت: فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته.قلت: لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفا عندهم فأراد أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره وقد علم من فحوى الآية أن الأب بعض ما أنبته اللّه للإنسان متاعا له ولأنعامه فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر للّه على ما تبين لك ولم يشكل مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأبّ ومعرفة البنات الخاص الذي هو اسم له واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصّى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن.كيف بدأ تفسير القرآن؟ونرى استيفاء لهذا البحث الهام أن نعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل لعلاقته التامة بالمنهج الذي جرينا عليه في هذا الكتاب فالواقع أن القرآن شغل طوائف كثيرة من الناس فترة من الزمن، شغل به أهل الإيمان، وتتبعه أهل الكفر كلّ من ناحية اهتمامه، وأول ما بدأت دراسات القرآن وتفسيره زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ففي عهده نرى أعرابيا يسأله في معنى بعض ألفاظ القرآن في مثل قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قائلا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ وفسّره النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك واستشهد عليه بقوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث كالبخاري ومسلم وغيرها كثير من الأحاديث التي تتعلق بتفسير القرآن وبعضها ينحصر في ذكر فضائله وتفسير بعض آياته تفسيرا مختصرا يبيّن وجه التشريع أو الموعظة في الآية وروي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند اللّه جناح بعوضة اقرءوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» على أنه قد لا يوضع موضع الاعتبار كل ما جاء من الحديث في التفسير، فأحمد بن حنبل- في القرن الثالث الهجري- يقول: ثلاثة أشياء لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي، ولعله يقصد بالتفسير الذي خلط فيه الناس بين الصحيح وغير الصحيح من الحديث مما كان مدار أخذ وردّ وقول كثيرين في عصره.على أن الصحابة وقفوا في صدر الإسلام موقفين: متحرّج من القول في القرآن ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعبد اللّه بن عمر وغيرهم وكان عبد اللّه يأخذ على ابن عباس تفسيره القرآن بالشعر والقسم الثاني الذين لم يتحرّجوا وفسّروا القرآن حسب ما فهموا من الرسول أو حسب فهمهم الخاص بالمقارنة إلى الشعر العربي وكلام العرب ومن هؤلاء على بن أبي طالب وعبد اللّه بن عباس ومن أخذ عنهما وقد وقف ابن عباس على رأس المفسرين بالرأي المتخذين شعر العرب وسيلة إلى كشف معاني القرآن وكان على بن أبي طالب يثني على ابن عباس ويقول: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.وفي كامل المبرد وأغاني أبي الفرج الأصبهاني أنه دخل عمر بن أبي ربيعة وهو غلام على ابن عباس وعنده نافع بن الأرزق فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئا من شعرك يا ابن أخي؟ فأنشده: حتى أتمّها وهي ثمانون بيتا فقال له الأزرق: للّه أنت يا ابن عباس أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين ويأتيك غلام من قريش ينشدك سفها فتسمعه فقال: تاللّه ما سمعت سفها فقال: أما أنشدك؟ فقال: ما هكذا قال إنما قال: فيضحى وأما بالعشي فيخصر، قال: أو تحفظ الذي قال؟ فقال واللّه ما سمعتها إلا ساعتي هذه ثم إنشدها من أولها إلى آخرها فقيل له: ما رأينا أروى منك فقال: ما سمعت شيئا قطّ فنسيته وإني لأسمع صوت النائحة فأسدّ أذني كراهة أن أحفظ ما تقول، ثم إن نافعا اتفق له أنه سأل ابن عباس عن قوله تعالى: {لا تظمأ فيها ولا تضحى} قال: لا تعرق فيها من شدة حرّ الشمس قال:وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول الشاعر (فيضحى) ومن هؤلاء الصحابة الذين يذهبون هذا المذهب ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما وتبعهم الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم.(الصَّاخَّةُ) في المختار: الصاخة: الصيحة تصمّ بشدتها تقول صخ الصوت من باب ردّ ومنه سمّيت القيامة الصاخة. وقال الزمخشري: صخ لحديثه مثل أصاخ له فوصفت النفخة بالصاخة مجازا لأن الناس يصخون لها. وقال أبو بكر بن العربي: الصاخة هي التي تورث الصمم وإنها لمسمعة وهذا من بديع الفصاحة كقوله: وقول أبي تمام: ولعمر اللّه أن صيحة القيامة مسمعة تصمّ عن الدنيا وتسمع أمور الآخرة.{تَرْهَقُها} في المختار: رهقه غشيه باب طرب ومنه قوله تعالى: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة}، وفي الحديث: «إذا صلّى أحدكم على الشيء فليرهقه أي فليغشه ولا يبعد عنه».{قَتَرَةٌ} سواد كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه.
|